إن مفهوم الصحابي ليس له مفهوم ديني محدد مثل مفهوم الصلاة والصيام والحج ...وبالتالي يرجع ضبطه إلى دلالته لغة وثقافة ( القرآن ).
إن كلمة صحابي ترجع في جذرها إلى كلمة ( صحب ) فعلى ماذا تدل كلمة صحب !؟
صحب :
ص : صوت يدل على حركة متصلة محددة .
ح : صوت يدل على تأرجح شديد وسعة .
ب : صوت يدل على جمع متوقف .
وباجتماع هذه الأصوات الثلاثة بالترتيب المذكور نصل إلى أن دلالة كلمة صحب هي حركة متصلة محددة مؤرجحة بشدة منتهية بجمع متوقف . وتحقق ذلك بعملية الصحبة عندما يقوم زيد بإيجاد علاقة اجتماعية مع آخر مستمرة في الزمن وليست مؤقتة . فالصاحب ليس هو عابر سبيل في العلاقة الاجتماعية .
لننظر إلى استخدام القرآن لمفهوم ( الصاحب )
1- [ يا صاحبيَّ السجن أرباب متفرقون خير أم لله الواحد القهار ] يوسف 39
نلاحظ أن النبي يوسف عليه السلام قد خاطب من معه في السجن بكلمة [ يا صاحبيَّ] رغم أنهما مختلفان معه في الفكر، ولكنهما مشتركان معه في المكان والحياة المعيشية وبينهما علاقة معينة .
2- [ قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب .....] الكهف 37
إذاً لا يشترط للصاحب أن يكون موافقاً في فكره لصاحبه .
3- [ يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه ، وصاحبته وأخيه ....]المعارج12
4- [ أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء ...] الأنعام 101
إذاً الصحبة يلزم لها العلاقة المستمرة مع الزمن ، مثل علاقة الزوج بزوجته . ومن هذا الوجه نقول : أصحاب الجنة ، أصحاب النار ، صاحب الدار ، صاحب المال ....
وبذلك العرض يظهر لنا أن القرآن لم يعط لمفهوم الصحبة أي ميزة أو فضل لاحتمال وجود الصاحب المخالف بالفكر والسلبي في التعايش ، مثل صاحبيَّ الجنة فأحدهما كفر باليوم الآخر ولكنه مازال صاحباً للآخر المؤمن ، لأنه ليس كل كفر أو مخالفة هو موقف عداء وحقد ، فالكفر كفران : أحدهما كفر سلبي وهو الموقف الحيادي الانعزالي الخاص بصاحبه لا يعادي أو يحارب أحداً .
والثاني : كفر إجرامي وهو موقف عدائي حاقد على الآخرين المخالفين له . ويكون معياره في تصنيف الناس هو من لم يكن معي فهو ضدي ضرورة.
بينما المؤمن صاحب الحق يكون معياره هو التعايش السلمي والإيجابي مع الناس كافة ، ولا يعادي إلا من يعاديه ، ومن لم يكن معه فليس من الضرورة أن يكون ضده.
قال تعالى : [ وما صاحبكم بمجنون ] التكوير 22
[ ما ضل صاحبكم وما غوى ] النجم 2
فلقد وصف الله عز وجل النبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) أنه صاحب لقومه الكفار الذين اتهموه بالجنون والسحر والشعر، وغير ذلك من المعاداة الإعلامية الثقافية ، ومع ذلك فهو صاحبهم . إذاً ممكن أن يكون الصاحب عدواً لدوداً لصاحبه!! .
وبناءً على ما ذكرت يحق لنا أن نسأل من هم أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) ؟
1- هل هم كل من رأى النبي ولو لحظة واحدة ؟ والجواب قطعاً بالنفي .
2- هل هم كل من رآهم النبي ولو لحظة واحدة ؟ والجواب قطعاً بالنفي .
3- هل هم كل من عاصر النبي واجتمع معه مرة أو مرتين ؟ والجواب قطعاً بالنفي .
4- هل هم كل من آمن بالنبي وعاصره ولم يجتمع معه أبداً ؟ والجواب قطعاً بالنفي
5- هل هم كل من عاصر النبي وشاهده وآمن به ؟ والجواب قطعاً بالنفي
6- هل هم كل من عاصر النبي وآمن به وعاش بصورة إيجابية في حركة وأحداث الدعوة الإسلامية ينطبق عليه وصف الصحابة ؟ والجواب قطعاً بالنفي فهؤلاء هم أتباع للنبي وليسوا أصحابه .
7- هل كل من روى ونقل عن النبي حديثاً أو موقفاً وهو مؤمن به يصير صحابياً ؟
والجواب قطعاً بالنفي .
8- هل كل أصحاب النبي كانوا متبعين له ومؤمنين بدعوته ؟ والجواب قطعاً بالنفي. لأن قوم النبي هم أصحابه ، وهو صاحبهم ، ومعظمهم كفروا به وناصبوه الحقد والعداء واتهموه بالجنون والسحر 9- هل أصحاب النبي كل من غزا مع النبي غزوة أو غزوتين ؟ والجواب قطعاً بالنفي ، لأنه شارك بالغزو معظم أتباع النبي .
من خلال هذه التساؤلات نصل إلى بضعة أمور مهمة وهي :
1- ينبغي أن نفرق بين مقام التابع ومقام الصاحب .
فلا يشترط للتابع أن يكون صاحباً ، كما أنه لا يشترط للصاحب أن يكون تابعاً .
2- مفهوم أصحاب النبي عام يشمل المؤمنين به والكافرين به . وللتمييز بينهم ينبغي أن نحدد المفهوم ونضبطه بإضافة كلمة ( تابع ) بالنسبة لصاحب النبي المؤمن بدعوته فيصير ( الصاحب التابع ) وبهذا العمل نميز الصحابي التابع عن الصحابي الكفار ، لأنهم جميعاً أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) .
فليس كل أتباع النبي (صلى الله عليه وآله) يتحقق فيهم مفهوم الصحبة ، وبالتالي لا يصح وصفهم بأصحاب النبي . وكذلك ليس كل أصحاب النبي اتبعوه وآمنوا بدعوته ،وبالتالي لا يصح وصف أصحاب النبي بصفة أتباع النبي !! والأمر يلزم له الضبط والتحديد لاستخدام المفاهيم .
3- مفهوم الصحبة ليس له أي ميزة أو فضل أبداً ، لأن الفضل والميزة هي لمفهوم الإتباع وليس لمجرد الصحبة .
4- لم يذكر القرآن أبداً مفهوم أصحاب النبي كما هو موجود في التراث الفقهي ، ولم يذمهم أو يمدحهم ولم يأمر بإتباعهم ، وإنما أمر بإتباع سبيل المؤمنين وهم الذين اتبعوا النبي فصاروا أتباعاً له سواء أكانوا من أصحابه أومن غيرهم .
5- أصحاب النبي المؤمنين بدعوته هم مثل الآخرين المتبعين لدعوة النبي لا فرق بينهم أبداً إلا بالتقوى والعمل الصالح .
6- لا يوجد أي عصمة لصحابي تابع للنبي عن غيره من التابعين للنبي وليسوا من أصحابه .
7- ممكن لأصحاب النبي أن يكفروا به وبدعوته ويحاربوه كما حصل من قومه .
8- ممكن لأصحاب النبي التابعين له في الدعوة أن ينقلبوا ضده فيما بعد .
9- ممكن لأتباع النبي أن يكفروا وينقلبوا ضده كما حصل لمجموعة منهم في ذلك العهد .
إذاً لا يوجد عصمة لأتباع النبي ولا لأصحابه التابعين أبداً . فالجميع في دائرة التكليف والحساب والمسؤولية ، والجميع خاضع لعملية الجرح والتعديل ، وإمكانية وقوع الكذب أو الخطأ أو الكفر واردة على الجميع دون استثناء لأي أحد منهم .
وبناء على ما ذكرت من ضبط مفهوم الصاحب ، ومفهوم التابع ، نضرب أمثلة للتساؤل والنقاش.
1- هل أبو جهل وأبو لهب وغيرهم من سادة قريش من أتباع النبي أم من أصحابه ؟
2- هل أبو سفيان ومعاوية وعكرمة بن أبي جهل وغيرهم ممن دخل إلى الإسلام بعد الفتح هم من أصحاب النبي أم من أتباعه ؟
3- هل عبدالله بن عباس ، وعبدالله بن عمر ، وغيرهم من الصغار هم من أصحاب النبي أم من أتباعه ؟
4- هل من دخل في الإسلام بزمن النبي من القبائل العربية المجاورة سواء رأوا النبي أم لم يروه ، وحاربوا معه أم لم يحاربوا هم من أصحاب النبي أم من أتباعه ؟
5- أبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي ، وصهيب الرومي ، وغيرهم ، هل هم من أصحاب النبي أم من أتباعه ؟
6- أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، وأبو عبيدة الجراح ، هل هم من أصحاب النبي ، أم من أتباعه، أم من الأصحاب المتبعين للنبي (صلى الله عليه وآله) .
7- هل أبو هريرة وأمثاله ، من الصحابة التابعين للنبي ، أم من الأتباع فقط !؟
8- هل أصحاب النبي التابعين له أكثر أم أتباع النبي أكثر ؟
9- هل صفة الإتباع يشترط لها المعاصرة للنبي ، أم هي مستمرة إلى يوم الدين ؟
الخلاصة :
يوجد أصحاب ، ويوجد أتباع ، ويوجد أصحاب أتباع . والقرآن لم يذكر إلا صفة الإتباع، وهي صفة متحركة مفتوحة إلى يوم الدين مرتبطة بإتباع الرسول فيما أوحي إليه لا علاقة لأي مجتمع سابق بذلك ، وما ينبغي أن يتم اتخاذ أي مجتمع ولو كان الذي زامن نزول الوحي وصياً على فهم النص القرآني ، وكل الأفهام أمام النص القرآني سواء ، يؤخذ منها ويرد عليها ، والحكم الفاصل للجميع هو القرآن والواقع . ولا فضل لأحد من الناس في حفظ وتوصيل القرآن إلينا ، لأنه وصل من خلال ظاهرة التواتر المتنامية مع الزمن بوسيلة الحفظ والتلاوة له باللسان، والتوثيق له خطاً في الصحف، ومطابقة خطابه لمحله من الواقع . والتواتر مسألة اجتماعية لا تخضع لعملية السند والعنعنة.
لذا ينبغي أن يزول جدار العصمة والتقديس عن أصحاب النبي المتبعين له، وعن أتباعه . ويخضع الجميع للدراسة والنقد التاريخي مثلهم مثل أي مجتمع . والعلاقة بيننا وبين المجتمعات السابقة مبنية على مفهوم الإتباع للرسول فهو المقياس لحركة التواصل والرضى عنهم ، ولا علاقة لمفهوم الصحابة في ذلك أبداً ، لأن هذا المفهوم هو خاص بالنبي وحياته الشخصية والاجتماعية ، فقسم من صحابته اتبعوه ، وقسم أخر كفروا به . أما أتباع النبي فهم الذين آمنوا بدعوته ونصروه في زمنه، أما من جاء بعد النبي فهم أتباع الرسول دعوة وعلماً وإيماناً ،وليسوا أتباعاً للنبي لوفاة النبي الحبيب (صلى الله عليه وآله) فانحصرت تابعيتهم في الرسالة المتمثلة بالقرآن العظيم.
[ وأوحي إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ] الأنعام 19
[فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ] الأعراف 157